ترحيب

أهلا" بزوار مدونتي

الجمعة، 24 ديسمبر 2010

ثقافة المعلومات في القرن الحادي والعشرين



اعداد/ د. هشام عزمي
 لعل من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة هو كيفية التعامل مع هذا الفيض الهائل من المعلومات في كافة اشكالها و صورها.  و يبرز مصطلح ثقافة المعلومات    InformationLiteracy  كواحد من أهم المصطلحات التي تم تداولها في الإنتاج الفكري المتخصص في المجال خلال السنوات القليلة الماضية. و قد تبلورت عدة تعريفات للثقافة المعلوماتية،  لعل أهمها هو أنها مجموعة القدرات المطلوبة التي تمكن الأفراد من تحديد احتياجاتهم من  المعلومات  Informationneeds  في الوقت المناسب ،  و الوصول إلى هذه المعلومات و تقييمها و من ثم استخدامها بالكفاءة المطلوية. و قد ازدادت أهمية ثقافة المعلومات في ظل الثورة التقنية الهائلة التي تشهدها المجتمعات في الوقت الراهن. و نظرا لتعقد البيئة المعلوماتية الحالية،  يواجه الأفراد بدائل و خيارات متعددة تتعلق بحصولهم على المعلومات سواء في مراحل دراستهم الجامعية أو في عملهم و حتى فيما يتعلق بحياتهم الشخصية. و نظرا للتنوع الكبير في أشكال مصادر المعلومات و توافر معلومات تفتقر إلى  الدقة و المصداقية ، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمعلومات المتاحة في شكل إلكتروني، فلقد فرضت ذلك تحديات جديدة تمثلت في ضرورة إلمام الأفراد بهذه المهارات لمساعدتهم على تحديد اختياراتهم المناسبة من المعلومات.

و تعرف اليونسكو  ثقافة المعلومات بأنها " تهتم بتدريس و تعلم كافة أشكال و مصادر المعلومات، و لكي يكون الشخص ملما بثقافة المعلومات فيلزمه أن يحدد:  لماذا و متى و كيف يستخدم كل هذه الأدوات ، و يفكر بظريقة ناقدة في المعلومات التي توفرها" (1).  و تمثل الثقافة المعلوماتية أساسا لا غنى عنه للتعلم مدى الحياة،  فهي ضرورية لكل التخصصات في كل بيئات التعلم و كافة مستويات التعليم .  و يمكن تحديد سمات الشخص المثقف معلوماتيا على النحو التالي :

·         القدرة على تعريف مدى المعلومات المطلوبة
·         الوصول للمعلومات المطلوية بسرعة و بكفاءة
·         التقييم الناقد  لمصادر المعلومات
·         استخدام المعلومات بكفاءة لإنجاز المهام المطلوبة
·         الإلمام بالقضايا الإقتصادية و القانونية و الإجتماعية المرتبطة باستخدام المعلومات و مصادرها
·         استخدام المعلومات بطريقة قانونية و أخلاقية


لقد ارتبط مفهوم ثقافة المعلومات بعدد أخر من المفاهيم ذات العلاقة يأتي في مقدمتها: تكنولوجيا المعلومات   InformationTechnology   و مهارات المكتبات   LibrarySkillsو مهارات المعلومات   InformationSkills    ، غير أن جل الدراسات قد خلصت إلى أن ثقافة المعلومات هو مفهوم أوسع من كل المفاهيم السابقة . و على الرغم من ارتباط ثقافة المعلومات بتكنلوجيا المعلومات،  غير أن للأولى أبعادا أشمل.  ففي الوقت الذي تركزفيه تكنولوجيا المعلومات على اكساب الفرد المهارات الأساسية للتعامل مع العتاد و البرمجيات و شبكات الاتصالات ، تركز ثقافة المعلومات على المعلومات ذاتها من حيث هويتها و بنيتها و آثارها الإجتماعية و الإقتصادية و الفلسفية. و قد أشارت جمعية المكتبات الجامعية و الوطنية   SCONULو هي جمعية تعنى بتنمية و نشر ثقافة المعلومات في بريطانيا و إيرلند، أن مهارات المعلومات ترتبط بتحديد مصادر المعلومات و معايير تقييمها و تحليلها و أسلوب تقديمها بغض النظرعن شكل المصدر الذي تتاح من خلاله المعلومات. و بعبارة أخرى فإن ثقافة المعلومات تتجاوز اتقان مهارات التعامل اليدوي و التقني إلى مهرات التحليل و التفكير .و كما لخصتها إحدى الدراسات ، فإن ثقافة المعلومات تركز على "معرفة أسباب الإحتياج للمعلومات و مصادر المعلومات و ليس فقط  معرفة كيفية التعامل معها"(2)

و لعل أكثر المجالات التي ارتبطت بثقافة المعلومات ، خاصة في البدايات الأولى ، هو مجال التعليم باعتبار أن إكساب طلاب المرحلة الجامعية الأولى، على وجه الخصوص،  ثقافة المعلومات يعد متطلبا أساسيا في إعداد شخصية الطاالب و مساعدته لاسنكمال دراسته الجامعية ثم انخراطه في سوق العمل. و لقد بادرت المؤسسات المعنية لوضع المعايير الخاصة لقياس مجموعة المهارات المرتبطة بثقافة المعلومات، ومن أهم هذه المعايير تلك التي وضعتها جمعية المكتبات الأكاديمية والبحثية في الولايات المتحدة  ACRL  بعنوان Information Literacy Competency Standards for Higher Educationو التي أقرتها جمعية التعليم العالي في الولايات المتحدة عام 1991 مقياسا أساسيا لتقييم مهارات التعامل مع المعلومات لدى الطلاب في كافة الكليات و الجامعات الأمريكية.

غير أن السنوات القليلة الماضية قد شهدت اهتماما ملحوظا بتنمية مهارات المعلومات لدى الطلاب في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي ، و أصبحت المكتبات المدرسية و مراكز مصادر التعلم محورا أساسيا لنشر ثقافة المعلومات بين أوساط اطلاب و المدرسين على حد سواء. و تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن منظمة اليونسكو قد أقرت مشروعا لتدريب المدرسين في وزراة التربية و التعليم في مصر على مهارات التعامل مع تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات و القصايا الإجتماعية و الأخلاقية المرتبطة بها،  و ذلك في إطار مشروعها المعروف باسم"المعلومات للجميع   IFAP " بتمويل قدره 25 ألف دولار أمريكي.

و قد تعدت أهمية ثقافة المعلومات مجال التعليم  حيث باتت تؤثر في حياة الأفراد اليومية،  بل إن متطلبلت مجتمع المعلومات في صورته الراهنة ، تتطلب من الفرد العادي الإلمام بالمهارات المعلوماتية الأساسية لحل المشكلات التي تواجهه و لتمكينه من الإلمام بكافة المتغيرات السياسية و الإقتصادية و الثقافية المحيطة به. و تمكن ثقافة المعلومات الأفراد من بناء أحكام موضوعية عن كافة القضايا و المشكلات التي يتعاملون معها. كما تيسر ثقافة المعلومات وصول الأفراد إلى المعلومات المتصلة بواقعهم و بيئتهم و صحتهم و أعمالهم. و بناء على ما تقدم، فإن افتقاد القدرة على الوصول إلى المعلومات المناسبة و الدقيقة من مظانها المختلفة ، من شأنه أن يؤثر سلبا على فدرة الفرد على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.

و لقد أضافت بيئة المعلومات الرقمية أهمية إضافية لثقاقة المعلومات ، حيث تتطلب هذه البيئة الجديدة إلمام الأفراد بالمهارات الآساسية في استخدام تقنية المعلومات و الاتصالات في إنتاج المعلومات و الوصول إليها.  ولعل المثال الواضح على ذلك هو الإبحار في شبكة الإنترنت و الوصول إلى الملفات بكافآ اشكالها، و هو ما يستلزم توافر مهارات البحث على الإنترنت مثلما يتطلب امتلاك مهارات تفسير و تقييم المعلومات.

و ليس أدل على  الاهتمام بقضية ثقافة المعلومات من اختيارها لتكون محورا أساسيا في العديد من المؤتمرات المتخصصة ، لعل من أهمها مؤتمر الإفلا السنوي في دورته السبعين و التي عقدت ببيونس إيرس بالأرجنتين عام 2004 . لقد أنعقد المؤتمر تحت شعار " ثقافة المعلومات من أجل التعلم مدى الحياة ". كما نشرت العديد من المقالات في الدوريات المتخصصة ، حيث خصص العدد الأخير( يناير 2006)  من دورية  Library&InformationUpdate الصادرة عن المعهد المعتمد لأخصائي المكتبات و المعلومات البريطاني  CiliP لمناقشة قضية تقافة المعلومات و دور مؤسسات المعلومات على اختلاف أنواعها في دعم و نشر هذه الثقافة.

و لم تكن مصر بمعزل عن قضية ثقافة المعلومات ، فلقد استضافت مكتبة الإسكندرية في ديسمبر الفائت ورشة عمل "ثقافة المعلومات و التعلم مدى الحياة" ، و الذي شارك في تنطيمها الإتحاد الدولي لجمعيات المكتبات ( إفلا ) ، منظمة اليونسكو و المنتدى الوطني لثقافة المعلومات. و هو الملتقي الثاني من نوعه بعد المؤتمر الأول الذي نظمته اليونسكو عام 2003 في العاصمة التشيكية براغ و الذي أسفر عن تأسيس التحالف الدولي لثقافة المعلومات InternationalAllianceforInformationLiteracy. و قد تناولت ورشة عمل مكتبة الإسكندرية الدور الذي تلعبه ثقافة المعلومات في مواجهة التحديات الإجتماعية و الإقتصادية الرئيسية للمجتمعات الإنسانية مثل الفقر و البطالة و المرض. لقد تمخض ملتقى الإسكندرية عن إعلان للمبادئ تم فيه حث الحكومات و المؤسسات غير  الحكومية على وضع السياسات و البرامج التي تدعم نشر ثقافة المعلومات. و لعل من أهم البنود التي وردت في الإعلان الدعوة لتظيم المؤتمرات و الندوات الإقليمية ، و كذلك أهمية التنمية المهنية للعاملين في قطاعات المكتبات و المعلومات و الأرشيف بصفة خاصة  لتعريفهم بمبادئ و تطبيقات ثقافة المعلومات.

و على مستوى الوطن العربي ، بدأ عدد من الجمعيات المهنية في مجال المكتبات و المعلومات يبدي اهتماما بهذه القضية ، و لعل المؤتمر السنوي  لجمعية المكتبات المتخصصة / فرع الخليج العربي و الذي سيعقد في مسقط بسلطنة عمان أوائل شهر إبريل المقبل و التي اختارت " ثقافة المعلومات في مجتمعات دول الخليج " عنوانا لمؤتمرها السنوي الثاني عشر، مؤشرا على تزايد الاهتمام بثقافة المعلومات.

و على الرغم من تلك الجهود و المبادرات السابق الإشارة إليها، لا تزال ثقافة المعلومات غائبة عن الأوساط الأكاديمية و البحثية في العديد من الجامعات و مؤسسات التعليم العالي في وطننا العربي الكبير. فلا توجد ، إلا فيما ندر، مناهج أو برامج تتعلق بمهارات المعلومات سواء في الخطط و الرامج الأكاديمية للتخصصات المختلفة أو لبرامج التعليم المستمر و خدمة المجتمع.

و في الختام،  أود أن أوجه دعوة علها تجد صدى لدى المتنمين إلى مجتمع المكتبات و المعلومات العربي ليأخذوا بزمام المبادرة في وضع الأسس و الآستراتيجيات الكفيلة بنشر ثقافة المعلومات بين أوساط الطلاب و الأكادميين بصفة خاصة و بين أفراد المجتمع بصفة عامة . و لا يفوتني في هذا المقام أن أشير إلى أهمية الدور الذي يجب أن تلعبة أقسام المكتبات و المعلومات في الجامعات العربية بما تملكه من إمكانات بشرية و مادية تؤهلها ، أكثر من غيرها ، للقيام بدور قيادي في نشر الثقافة المعلوماتية داخل الجامعة و خارجها ، سواء من خلال البرامج الأكاديمية في الجامعات أو من خلال الدورات التدريبية و ورش العمل . إن تقاعس أقسامنا الأكادمية عن القيام بهذا الدور الحيوي سيؤدي إما إلى وجود فراغ كبير لن يجد من يسده أو إلى اقتحام أشخاص غير مؤهلين هذا الفراغ  لسده،  و عندها سيكون مجتمع المعلومات العربي هو الخاسر الأكبر .

و الله من وراء القصد و هو سبحانه الهادي إلى سواء السبيل ...
أستاذ علم المعلومات المساعد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق